الجمعة، أكتوبر 24، 2008

اللى يعيش ياما يشوف و اللى يمشى يشوف اكتر

صباح مشمس جميل و الأشجار شديدة الخضرة ..... قررت السير الى العمل بعد ان تحررت من المعطف الثقيل واحتفظت بمظلتي فقد تمطر السماء فى اى وقت.... امامى الآن 30 دقيقة فقط لأصل إلى العمل إذا سرت بخطوات سريعة .. بدأ المشي ورأيت الشباب من حولى بالملابس الخفيفة و ألوان تشبه ألوان الطبيعة الجميلة وضعت سماعة الراديو فى اذنى كى استمع إلى نشرة أخبار الإذاعة المحلية، فالاستماع إلى الراديو يساعدنى على تحسين لغتى الانجليزية والأهم انه يعرفنى كيف يفكر هؤلاء الناس.
كنت اعجز أحيانا عن الفهم، فالهُوة بيننا و بينهم كبيرة ولكنى تعودت أن اسأل عما اجهله فغالبية الانجليز مهذبين، يرحبون دائما بأسئلتى و يجيبون عليها بصبر عجيب، وربما أخبرونى عن الكتب التى يمكن أن ارجع إليها فى هذا الموضوع فهم شعب يحب القراءة حبا شديدا و الكتاب يكاد لا يفارقهم.
----------------------------------------------
توقفت فى هذا اليوم عند خبر مفاده أن هيئة الخدمات الصحية البريطانيه تدرس تخفيض نفقات الإخصاب خارج الرحم (طفل الأنابيب) لكل امرأة توافق على التبرع ببويضاتها لامرأة أخرى عاجزة عن الإنجاب بسبب إصابتها بمرض يمنع المبيض من إنتاج البويضات....معنى الخبر أن المرأة ستعطى بويضاتها لزوجين لا تعرفهما !!..... اصابنى الذهول عند سماع الخبر حتى انى توقفت عن السير و جلست على احد المقاعد المنتشرة على جانبى الطريق....يا الهي كيف يفكر هؤلاء الناس... أليس هذا خلطا للأنساب !!!!!
إن هذه البويضة الصغيرة تحمل معها سر الحياة .... كيف توافق امرأة على أن تشترك مع رجل لا تعرفه فى تكوين جنين ثم يذهب هذا الجنين إلى رحم زوجتة أو صديقتة و لا يكون للمتبرعة اى علاقة بالطفل الذى يُفترض انها أمه ... الأمر عندهم سيان....أفقت من ذهولى على صوت طفل صغير يبكى و مضيت أكمل طريقى إلى العمل و قلت فى نفسى اسأل ...
------------------------------------------------
كان معنا فى فريق البحث طبيب للأمراض الباطنية أوشك على التقاعد و كان يعمل سكرتيرا في لجنة الأخلاق الطبية فى اكبر مستشفيات المدينة كما انه عضو فى اللجنة الوطنية للأخلاق الطبية والتى تعقد اجتماعاتها بصورة دورية فى العاصمة لندن... طرقت الباب واستأذنت فى الدخول ثم أخبرته بما سمعت و طلبت منه رأيه...
نظر لى الدكتور ردل – هكذا كان اسمه - و علامات الأسى باديه على وجهه و قال انه لا يوافق على ذلك وانه سيسجل اعتراضه عند مناقشة القرار فى اللجنة الوطنية، ثم استطرد قائلا إن التبرع معناه أن تعطى المرأة بويضاتها بكامل إرادتها كعمل انسانى، والتخفيض فى النفقات الذى ستحصل عليه فى المقابل يعد إجبارا معنويا على التبرع وهو ما لا يوافق عليه، لان هذا يعد انتقاصا لحريتها فى اتخاذ القرار !!... أنهى كلامه بأنه يخشى أن تقرر اللجنه الموافقة على القرار سعيا لتوفير البويضات لعدد اكبر من المرضى !!
شكرته و خرجت من عنده و قد زاد ذهولى .... فهم لا يعنيهم أبدا مسألة اختلاط الأنساب و إنما ينظرون إلى البويضة نفس نظرتهم إلى أى عضو من الأعضاء البشرية الأخرى ومن وجهة نظرهم انك تملك جسدك كاملا و لك الحق فى أن تتبرع بأى جزء منه كنوع من العمل الخيرى بشرط أن تختار التبرع بكامل إرادتك و بدون أية ضغوط.
-------------------------------------------------
كانت أمى دائما تقول "اللى يعيش ياما يشوف و اللى يمشى يشوف اكتر"، إن السفر و الغربة هى المشى الذى كانت تتحدث عنه امى ... ففى الغربة ستتعلم انه لا حدود للاختلافات بين البشر و أن عقولنا تختلف كما تختلف بصمات أصابعنا و كلما استمعت أكثر تعلمت أكثر ....ليس بالضرورة أن تتفق مع الأخر و لكن من الضرورى أن تتقبله وان تتأمل كيف يفكر فمهما كان فكره مخالفا فان لديه شيئا يضيفه إليك...حتى الشر المطلق الذى نراه فى اختلاط الأنساب هم ينظرون إليه على انه عمل خيرى يدخل السعادة على زوجين!!! نحن لا نتفق معهم و لكن لا ضرر من أن نفهمهم ...... سبحان الله ..... ليتنا نفتح عقولنا لنتعلم أن لله حكمة فى خلق البشر مختلفين ... ليتنا نستمع إلى بعض و أن نختلف دون أن تعلوا أصواتنا و دون أن نحاول فرض أرائنا على الآخرين .
إن السياحة فى عقول البشر متعة لا يعرفها إلا من جربها .... إن كل عقل هو عالم قائم بذاته و دائما فيه من العجائب ما قد تعجز عن وصفه ... الغربة علمتني الكثير و كلما تعلمت شيئا أدركت أن الحياة أقصر من أن نتعلم فيها كل شىء ... كنت دائما أحلم أن أقطع الأرض سيرا على الأقدام و أن أتحدث إلى كل البشر .. والآن ما زلت احلم ربما يوما أجد من يشاركنى الحلم .... من يسير معى فى الأرض طولا وعرضا .... أرى العالم بعيونه فيبدو معه أجمل ...... أو ربما أجد من أراه انعكاسا لكل البشر فأقرر أن أتوقف عن السفر.
------------------------------------------------------------------------
تنويه
نبهنى مهندس مصرى إلى ضرورة التنويه أن البوست سبق لى نشره فى مدونتى الأولى همسات مصرية

الخميس، أكتوبر 16، 2008

مذكرات أب


1. مسلم بالوراثة

ولدى الحبيب
هذه أول أيامك فى الدنيا، حملتك بين ذراعى وشعرت بالحب يجمعنا وكيف لا وأنت قطعة منى.
جلسنا أنا وأمك نتبادل حملك ونغمرك بالقبلات. كان يوما من أسعد الأيام. تركتك معها وعدت إلى البيت ولم أستطع النوم فى تلك الليلة فقد شعرت بثقل الأمانة. أنت هدية ربى فكيف أجعلك تحب وجودك فى هذا العالم ؟. توضأت وصليت وشكرت ربى وسألته أن يلهمنى الصواب.
----------------------------------

ذهبت فى الصباح لأستخرج لك شهادة الميلاد. سألنى الموظف ما اسم المولود ؟؟. قلت أحمد
فسلمنى شهادة الميلاد وكتب فى خانة الديانة "مسلم".
أنت الآن يا ولدى مسلم بالفطرة ولكن أخشى أن تتحول بعد أعوام إلى مسلم بالوراثة.
هل هذا ما أريده لك ؟؟؟... لا بد أن أجيب على السؤال...فى الحقيقة لا
هل تعرف لماذا؟؟
دعنى أحكى لك قصتى

--------------------------------


لقد مات أبى وأنا بعد صغير فنشأت يتيما. علمتنى أمى صيغة الشهادة وكيفية الصلاة والصيام
حفظتنى أركان الإسلام وقالت افعل ولا تفعل، ان فعلت هذا تدخل الجنة، وان لم تفعل تدخل النار
ولكن كانت بداخلى دائما أسئلة لم تستطع أن تجد لها إجابات فكانت تقول لما تكبر تعرف
ولما كبرت كبرت بداخلى الأسئلة وأخذتنى التيارات فى كل الاتجاهات حتى أصابنى اليأس وأنهكنى الصراع. كانت حياتى تسير ونجحت فى عملى ولكن ظللت ضائعا أشعر داخلى بالخواء وأنظر للسعادة على انها سراب.

وفى يوم من الأيام كنت أمشى لا أعلم إلى أين حتى وجدت مسجدا صغيرا ولا أعرف ما جعلنى أدخل. ....جلست فى أحد الأركان تأخذنى الأفكار بعيدا.
اقترب منى شيخ كبير وسألنى ما بى؟؟
نظرت اليه فرأيته يبتسم لى ابتسامة صافية
جعلتنى أقول محتار عندى أسئلة كتير ملهاش جواب
- أنا جيت الدنيا ليه والمفروض أعمل إيه؟؟ ليه أصلى وليه أصوم؟؟
أنا رايح فين؟؟؟ فين السعادة ؟؟
هو فيه يا عم الشيخ صحيح شىء اسمه السعادة
طبطب عليا ..كانت أول مرة أحس باحتياجى لحنان الأب .. برغم انه انسان غريب عنى بس اتمنيت لو كان أبويا
- أسئلتك لها إجابات ..تحب تعرف
- ياريت ..قريت كتير وموصلتش
- تعال فى كل يوم بعد الفجر نقعد مع بعض تسأل وأجاوب بس بشرط ..تصبر الحقيقة محتاجة وقت
وصبر
-
المهم أوصل وارتاح
- أكيد هترتاح ..لغاية ما أشوفك تانى ادعى كتير
عارف فى الحديث القدسى :
" يا عبادى كلكم ضال إلا من هديته فاستهدونى أهدكم"
-
بادعى كتير يا عم الشيخ
- ادعى كمان
...وابتسم ابتسامة هادية وسلم واختفى ومرت أيام وصورته مش عايزة تفارقنى
هل أجد اجابات لأسئلتى الكبيرة عند شيخ غريب فى مسجد صغير....لا أعتقد

وفى ليلة ظللت مؤرقا حتى الفجر ووجدتنى ارتدى ملابسى واتجه إلى هناك ووجدت الشيخ هو الإمام. صليت خلفه ...صوته كان فى الفجر يخترق الصمت فى خشوع
وانتهت الصلاة وجلست دون أن أقترب منه ووجدته ينظر فى كل اتجاه وكأنه كان يبحث عنى ولما لمحنى اتسعت ابتسامته وتقدم منى وألقى السلام
وبدأت أسأل وهو يجيب ، لا يمل ولا يغضب مهما كانت غرابة الأفكار
ويوما بعد يوم وجدتنى أشعر بنور يتسلل إلى قلبى وبمنطق يسود عقلى وينير لى الطريق
كان لكل سؤال جواب واكتشفت كم كنت جاهلا .. كنت أعرف ظاهر الإسلام وليس جوهره ..كنت أقرأ النصوص فلا أتجاوز الكلمات ...هل هذا هو الإسلام ؟ ولماذا لم يعلمنى أحد المعنى الحقيقى للإسلام؟
وبعد جلسات وجلسات أصبحت مسلما باختيارى ...أصبحت مسلما عن إقتناع ..عن فهم وإدراك
ولم أعد مسلما بالوراثة وأدركت الفارق

-------------------------------------


هل أجبت الآن يا ولدى على السؤال ؟؟
نعم أريدك مسلما يعرف جوهر الإسلام
أريد أن يكون عندى لكل سؤال تطرحه جواب
لا أريدك أن تعيش فى حيرة
ولا أن تعيش دون أن تعرف من أين أتيت ولماذا تعيش وإلى أين ستذهب فى النهاية
ولكن كيف ؟؟؟
هذا هو السؤال وسأكتب إليك كيف توصلت للجواب

أبوك الذى يحبك
أبو أحمد
مسلم يحمل هم الإسلام

السبت، أكتوبر 04، 2008

أغمضتُ عينى لأرى

انتهت من صنع القهوة وجلست لتبدأ طقوس التعذيب اليومية. أدارت الشريط وانطلق صوت المنشد. كانت كل كلمة تنفذ الى قلبها نفاذ السكين الحاد لتدميه.. فلماذا تعيد الاستماع إليها وهى تحفظها وترددها فى اليوم مئات المرات ؟
ترتشف القهوة ببطء تتساقط دموعها فتختلط بها فتجعلها شديدة المرارة .تعيد الشريط وتعيد الاستماع وقد أحست ان من ينشد هو أحمد الصغير ...
يا أمى ما شكل السماء وما الضياء وما القمر؟
بجمالها تتحدثون ولا أرى منها أثر
هل هذه الدنيا ظلام فى ظلام مستمر ؟
يا أمى مدى لى يديك عسى يزايلنى الضجر
سيسألها يوما ما فبماذا ستجيب؟ ..كيف ستصف له السماء وكيف ستشرح له الفرق بين النور و الظلام ؟
كيف ستجعله يعرف الفرق بين الألوان ما هو الأحمر وما الأزرق؟
كيف ستجعله يشعر بجمال الأزهار و مشهد الشمس ساعة الغروب؟
كيف ستجعله يعيش دون أن يشعر بالعزلة و الوحدة ؟؟
والسؤال الأصعب كيف ستجعله يرى العالم دون أن يبصره؟؟
شهور وشهور وهى تحلم به ...كانت تحبه قبل أن تراه...لقد صار منذ أيامه الأولى صديقها الذى تجلس إليه كل يوم لتحكى له وترسم معه صورة المستقبل الجميل
كانت هذه هى أحب الساعات إليها ، الساعة التى تجلس معه وحدها وتحدثه ..لم يعرف أحد أبدا ما تفعله فلقد كان سرهما االصغير

عارف يا أحمد يا حبيبى النهاردة فى الشغل عرفوا انك جوايا و عرفتهم عليك
قلتلهم قد ايه انا بحبك و مستنياك واتفقت مع طنط مرفت نخرج نشتريلك حاجات كتيرة
النهاردة كان عندى صداع وقالولى خدى مسكن بس مقدرتش علشانك
قلتلهم مش مهم هيروح وأول ما جيت البيت وقعدت أنا وانت لوحدنا راح الصداع
يالا تعال نعمل الأكل علشان بابا زمانه جاى
هو كمان بيحبك وانا بقوله على كل حركاتك وهو كمان مستنيك وبيعد الأيام
اسمع هفتحلك شريط جميل بيقول أناشيد حلوة قوى
اسمع الشيخ مشارى بيقول ايه
كان يوم ولادته هو أسعد أيام حياتها...يوم اختلطت فيه الدموع بالضحكات ...و هانت فيه كل الآلام وانطلق فيه صوت بكائه كسمفونيه عذبة يعجز أعظم المؤلفين وان اجتمعوا على أن يأتوا بمثلها...وعندما احتضنته شعرت بالحب قد تجسد فى هذا الصغير


مرت أيامه الأولى سريعة سعيدة ولكن مع الأيام بدأت تشعر بشىء غريب ...أحمد لا يستجيب للضوء ولا لحركة يديها أمام عينيه. كانت تظن انها مجرد شكوك أم تخاف بشدة على ولدها ولكن مع الأيام كان الشك يزداد قوة و بدأ زوجها هو الأخر يشعر بما تشعر به وكان القرار ان يأخذوه للطبيب
أمشى أخاف تعثرا وسط النهار أو السحر
لا أهتدى فى السير إن طال الطريق وإن قصر
أمشى أحاذر أن يصادفنى إذا أخطو خطر
والأرض عندى يستوى منها البسائط والحفر
عكازتى هى ناظرى هل فى جماد من نظر
بعد فحوص دقيقة جلس إليهم الطبيب وقد بدا الأسى عليه و حدثهم بحديث لا تذكر منه إلا كلمات متفرقة
آسف....الصبر.....الإبتلاء.....الجنة.... معهد المكفوفين

منذ ذلك اليوم وهى لا تشعر بما يجرى حولها ....ترى الأشياء فلا تعيها ...تسمع الأصوات فلا تفهم ما تعنية ....تقف المشاهد والأحاديث عند حدود عقلها فلا تجتازه ...لم يعد لشىء معنى...أصبح العالم مظلما ولم تعد ترى فيه سوى أحمد وما يواجهه فى المستقبل

أفاقت من ذكرياتها على صوت إغلاق باب الشقة ...لم يكن موعد عودة زوجها ترى لماذا عاد الآن ؟ مر بها وألقى السلام سريعا فردت عليه هامسة دون أن تنظر إليه أو تتحرك من مكانها
انه يعيش حياته دون أى تغيير يأكل و يذهب إلى عمله حتى انه جلس لمشاهدة مباراة للكرة وكأنه لا يشعر بمصابها وكيف يشعر بالنار التى تتأجج بداخلها ، لا بد أن يعيش معه كما عشت أنا ليدرك ...هو أب مجرد أب ..اسم يحمله أحمد فى شهادة ميلاده
همت بالذهاب إلى حجرة أحمد لتطمئن عليه ولكن أوقفها صوت بكاء بل هو أشبه ما يكون بالنحيب ...هشام يبكى يا الله ...لم تره يبكى إلا مرة واحدة يوم وفاة أمه كان بكاء هادئا ...كان حزنه عليها حزنا شديدا ولكنه أبدا لم يبك هكذا
اقتربت منه وهى فى حيرة شديدة
- هشام فيه ايه ؟؟؟ ايه اللى حصل؟؟؟
نظر اليها نظرة كلها لوم وعتاب وتوقف فجأة عن البكاء
- مش عارفة إيه اللى حصل ؟؟؟ انت فاكرانى مش فاهم فاكرة انت لوحدك اللى حزينة و انت لوحدك اللى بتحبيه وانت لوحدك اللى كنت بتحلمى باللى كنت هتعمليه معاه وعلشانه
- أنا آسفة
- ياريت تفوقى بقى فين ايمانك ؟؟؟ فين كلامك اللى كنت بتقوليه للناس عن الابتلاء والصبر كله اتبخر ...انت فاكرة انك كده بتساعديه
حاولت ان تتحكم فى دموعها فلم تستطيع ومضى هو فى حديثه
- أحمد بقاله قد ايه مسمعش أصوات ؟؟؟حزنك نساكى انه محتاج يسمع اللى حواليه ؟؟؟ نساكى انه محتاج يخرج من عزلته
أوقفتها كلماته ...صحيح لقد توقفت عن الحديث معه وبدا أحمد وكأنه يفهم أحزانها فأصبح هادئا أكثر من اللازم
- عندك حق ...عندك حق ...هشام خليك جنبى متسبنيش لوحدى قولى اعمل ايه؟؟؟ اتصرف ازاى؟؟؟
- استغفرى ربك واصبرى واحميده على نعمه ....انا تعبت و مش عايز اتناقش ولا اتكلم لما تبقى تحسى ان احنا حاجة واحدة نبقى نتكلم
تركها واتجه الى الحمام وبعد دقائق خرج مرة أخرى وتركها وواصلت هى البكاء ....ماذا أفعل ؟؟؟؟
يجرى الصغار و يلعبون ويرتعون ولا ضرر
وأنا ضرير قاعد فى عقر دارى مستقر
الله يلطف بى ويصرف ما أقاسى من كدر
استيقظت فى اليوم التالى ولأول مرة قررت الا تقوم بنفس الطقوس ومضت لترتيب المنزل فوقعت عيناها على كتاب أهدته لها مريم صديقتها...حاولت أن تساعدها ولكنها رفضت أى كلام وأى مساعدة فتركت مريم الكتاب ومضت.....سأقرأ الكتاب ...هكذا حدثت نفسها
بعد ان انتهت من بعض أعمال البيت جلست لتقرأ الكتاب لعله ينتشلها مما هى فيه

يتحدث الكتاب عن بعض العظماء الذين قهروا الظلام ...قرأت هذه الكلمات وأعادت قراءتها مرات ومرات
" يمكنك أن تمنح طفلك الكفيف الإرادة القوية والرغبة فى النجاح وحب الحياة والناس، أما أفضل ما تمنحه له على الإطلاق فهو البصيرة..البصيرة التى تجعله يرى الأشياء و يشعر بها ..البصيرة التى تجعله يتجاوز حدود الرؤية المعتادة -رؤية العين- إلى رؤية القلب ...إذا كان طفلك كفيفا فلا تحزن فقد يكون يوما ذا عقل يفهم وقلب يفقه ...قد يكون ذا بصيرة يحسده عليها المبصرون...تستطيع أن تعطي طفلك الكثير فتوقف عن البكاء وابدأ بالعمل من أجله ..خذ بيديه إلى النور وإلا بقى فى الظلام إلى الأبد ولكن هذه المرة ستكون أنت من فرض عليه هذا الظلام"
كانت هذه الكلمات هى العصى السحرية التى لمستها ..بعد أن انتهت من قراءتها قررت أن تبدأ العمل وبعد تفكير كانت قد أخذت القرار وأبلغت به زوجها الذى كاد يطير فرحا .
فى الصباح التالى توجهت الى معهد المكفوفين معها أحمد وطلبت مقابلة المدير وأخبرته برغبتها فى الإلتحاق بالمعهد
- ازاى يا مدام انت مش كفيفة وابنك لسه صغير
- أرجوك عايزة اتعلم ...هكون كفيفة علشانه ...علشان أحس بكل اللى ممكن يحس بيه وأتعلم كل الحاجات اللى ممكن يتعلمها
- طلب غريب ...دايما الناس بتقدم لاولادها مش ليها
- أرجوك مش هتخسر حاجة مستعدة كمان أساعد فى أى أعمال خاصة بالمعهد
- صحيح مش هخسر حاجة ...دى تجربة تستحق المحاولة ...خلاص من بكرة هتدخلى الفصل زى أى طالبة
- أشكرك يا فندم ...إن شاء الله مش هتندم
كان الالتحاق بالمعهد بداية جديدة تعلمت فيه الكثير. تعلمت أننا نركز على شكل الصورة دون أن نركز على ما تحمله لنا من معنى. تعلمت أن البصر نعمة عظيمة ولكننا نعتمد عليها أكثر مما يجب فنعطل حواسنا الأخرى....تعلمت اننا لم نعد نشعر بالآخرين أو نهتم بهم.

كانت ترتدى عصابة على عينيها فى أثناء الدروس لتشعر بما يشعر به الكفيف فاكتشفت عالما غير العالم الذى نعيش فيه ...عالم تسمع فيه تغريد العصافير وصوت حفيف الأشجار ويصبح خرير المياه موسيقى عذبة ...لقد تحولت الطبيعة إلى أغنية جميلة وتعجبت كيف لم تسمعها من قبل.
انه عالم تستطيع فيه أن تشعر بمن حولك بمجرد سماع أصواتهم فتعرف كيف هم اليوم قلقون ...تعتريهم الكآبة أم سعداء؟؟ ...عالم فيه اللمسة الحانية أبلغ من أجمل قصائد الحب ...
لقد اكتشفت أن الكفيف عادة ما يكون شخصا حساسا محبا للناس متعطشا لأن يبادلوه الحب
لقد اكتشفت ماذا تعنى كلمة البصيرة ...وعرفت أنها كانت تحتاجها بنفس الدرجة التى يحتاجها أحمد

بعد أن عاشت فى عالم المكفوفين أدركت من هو الكفيف حقا ...

"فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التى فى الصدور"

تمت
---------------------------------------------------------------------------------------
هذه المرة الأولى التى أكتب فيها قصة فربما خلت من حرفية الكاتب و لكن ما أرجوه هو الا تخلو من المشاعر الانسانية ومن المعنى
كتبتها تفاعلا مع انشودة جميلة للشيخ مشارى العفاسى اسمها الضرير
لا أعتقد أن إنسانا يسمعها فلا يبكى
أما ما لا أستطيع تصوره حقا .. ام طفل كفيف تستمع إليها فاللهم ارزق كل أم الصبر على الابتلاء وارزقها الجنة جزاء على رضاها بقضائك