الخميس، أغسطس 21، 2008

براءة الخشب

احترق المجلس
سألوهم عن الأسباب
قالوا الأخشاب
ذهبت لأتحقق
بحثت
فوجدت بين الأنقاض
عودا من الخشب مازالت فيه حياة
قلت يقولون أنت من أحرقت المجلس
أنت من أحرقت تاريخى
قال يا ابنتى تمهلى واسمعى قصتى
كنت عمودا فى إحدى الحجرات
كنت أرى وأسمع واسكت
لو رأيتِ ما رأيت
لو سمعتِ ما سمعت
وطن يباع لمن يدفع أكثر
والثمن ...مال ...سلطة وأشياء أخرى
فى كل يوم كانت شرارات الظلم تشعل النيران فى قلبى
فتطفئها صرخات الشرفاء وبرودة الليل
ولكن منذ أعوام كانت فى كل ليلة تشتد النيران
حتى لم يعد شيئا يطفئها
و اليوم اشتعلت وأحرقتنى

وتصاعدت ألسنة اللهب لتحكى القصة
فماذا كنت أفعل فى النيران؟
هل بعد كل سنوات الصبر يقولون الخشب
يا ابنتى خذينى بين يديك لتشعرى بلهيب النيران داخل قلبى
خذينى وألقينى فى النهر
لأسير مع التيار حتى أصل للبحر
وهناك سأشعر أنى حر
أخذته وسرت حتى وصلت إلى النهر
وهناك قال تمهلى وعاهدينى
قلت أعاهدك على ماذا ؟
قال لا تدعيهم يأخذوكِ إلى نفس المصير
لا تسكتى فتحرقك نيران الظلم
اسمعى يا ابنتى
الأوطان لا يُصلحها الصمت
الأوطان تُصلحها كلمات الحق

قال وادعا
ألقيته ليسير مع التيار إلى مصب النهر
وجلست أرقبه وكلماته تتردد فى أذنى
ثم قررت أن أبدأ العمل
وأعلن على الملأ براءة الخشب

السبت، أغسطس 02، 2008

الإبداع المخيف (ساديزم)

رحلة الى الأعماق
انها رحلة غريبة سترى فيها الجمال و القبح ...الخير والشر....النور والظلام .... ستضحك وتبكى ...ستشعر بالحب والكراهية بالنقمة والشفقة ... ستأخذك إلى أعماق لا نهاية لها....وكلما ظننت أنك قد وصلت ستكتشف أن الطريق ما زال طويلا ... ستثور فى عقلك عشرات بل مئات الأسئلة ..وربما ستظل بلا إجابات ...ستصيبك الحيرة و الخوف وسيقابلك اليقين والشك ...ستشعر بالسكينة و الألم ...ستحزن وتفرح و ربما تندم على انك قررت أن تحاول اكتشاف هذه الأعماق وستصرخ بصوت عال.....لا أعرف لا أفهم ....إذا قررت الذهاب فاعترف أولا انك بشر ضعيف جاهل ...اصرخ للمساعدة عندما تعجز وقل يا الهي صدقت وما أوتيتم من العلم إلا قليلا
هذا ما ينتظرك إذا أردت أن تبحر فى أعماق النفس البشرية

والآن هل أنت مستعد؟؟

سأخذك معى فى رحلة إلى واحدة من أظلم المناطق فى النفس البشرية ...سأخذك حيث يتحول الإنسان فى لحظة مدمرة إلى نار مشتعلة لا لتعطي الدفء و النور وإنما لتستمتع بالإحراق وتتغذى بعذابات البشر
هلم معى لقراءة أجزاء من
قصة ساديزم لمحمد الغزالى

(اضغط هنا لقراءة القصة)

القصة تبدو كقطع من البازل عندما تقرأها للمرة الأولى ...فقرات تأخذك إلى أزمنة ومشاعر مختلفة وعليك فى النهاية أن تكون منها الصورة
وهكذا ستحتاج أن تقرأها للمرة الثانية فتكون نظرتك قد اختلفت فقد استطعت ان ترى الصورة مكتملة وانت الآن تعيش فى التفاصيل

"ايمكنك ان تلوم النيران على انها احرقتك انت من غرك لونها المبهر فاقتربت لتحترق يا سيدى"
هكذا أنهى بطل ساديزم قصته لقد عرف نفسه لنا على انه نار ...نار تأكل نفسها قبل أن تحرق الآخرين ولكن أين كانت البداية ومن الذى أشعل هذه النيران؟؟

تبدأ القصة بالنسبة لى فى مشهد محورى مشهد يكون بمثابة عود الثقاب الذى أشعل نيران الشر فى نفس البطل الذى يبدو من بعيد سطحا هادئا يخفى تحته بركانا يلقى بحممه على كل من يقترب منه
هذا هو الطفل الصغير ينظر من ثقب الباب ليرى ابيه يعتدى على أمه بمنتهى القسوة ...لتصبح تلك هى اللحظة الفاصلة فى حياته ...لقد اختزل الحياة فى هذا المشهد ...فى الدنيا عليك أن تختار إما أن تكون الجلاد أو تكون الضحية...خياران لا ثالث لهما...هل شعوره بالألم والقهر والمهانة وتوحده مع أمه جعله يقرر الا يكون الضحية..هل لذة الانتصار والبريق الذى يشع فى عينى الأب وهو يعذب الأم هو ما جعله يقرر أن يكون الجلاد ...و هل كان هذا الخيار هو وسيلته للبقاء ...إذا كانت الحياة صراعا فلماذا لا أكون المنتصر ولماذا أدع للأخرين فرصة لهزيمتى
لقد اعتبر الحياة معركة وان لم تكن فسوف يصنع معاركه الخاصة حتى وان كانت كما وصفها معارك من الوهم وجميع من حوله سيكونون خصومه بارادتهم أو رغما عنهم
ثم هو يصف لك موقفه من هذه المعركة فهو دائما المنتصر
"المهم فى النهاية ان انتصر عليك حتى وان لم تنازلنى فانا ساهزمك"
"حسنا بالخداع وحدة تصنع لنفسك حربا من الوهم..!"

والسؤال الآن هل ولد مريضا ام انه فقط كان لديه الاستعداد وساعدت البيئة المحيطة به فى اظهار المرض؟؟؟ . هو يدافع عن نفسه ويعتبر انه لم يختار الطريق بل الطريق هو الذى اختاره واليك كلماته
"الطريق ليست كالملامح ..الملامح ترسمها الوجوه من حولك ..أما الطريق .. فتحفر نفسها عميقاً من تحت قدميك فلا يبق لك سوى أن تسلكها .. !!"
وتمضى القصة لتنقلك الى التطور الذى أخذت ملامحه تظهر شيئا فشيئا ....لقد عرف البطل انه لا يملك القوة العضلية ولكنه اكتشف وسيلة الضعفاء ...انه الدهاء والحيلة ...يلخص لك أسلحته فى معركة الحياة بل ويبرر لك استخدامها فيقول
"انا مجرد ((مغفل)) مغفل ضاجع غباء تصرفاته, استخدمه الكثير ممن حوله ، خبثهم...غدرهم...مكنه من اتقان سلاح الضعيف.......الحيلة...والخبث لعبة الضعيف التى غالبا ما تقهر الاقوياء"

أحيانا نتصور أن الأطفال كائنات لا عقل لها ولا مشاعر ....بينما قد تصبح لحظة واحدة كفيلة بتشكيل نفوس هؤلاء الأطفال دون أن ندرى...فلا بد أن المشهد تكرر كثيرا ويتكرر كل يوم فى آلاف البيوت
الطفل ليس جسدا تغذية ومسجلا تحفظ فيه المعلومات وتفخر بانه يستطيع ان يكرر الأرقام والحروف ....ان الله قد استودعك هذه النفس البشرية أمانة وعليك أن تتعهدها بالتزكية وتغرس فيها قيم الخير وإلا أصبحت أرضا خصبة لكل الأمراض النفسية وصدق الله حين قال
"ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها"
لقد أخبرنا الخالق بأن فينا الخير والشر واننا إذا لم نتعهد أنفسنا بالرعاية فلن نحصد الا الحسرة والندم ...الطفل صفحة بيضاء حافظ عليها بنقائها أو ادمن الكتابة عليها باللون الأسود .. وعليك أن تختار


كم مرة جلست لتعرف فيما يفكر طفلك هذا إن اعتبرته كائنا يفكر...جرب و ستندهش من النتيجة و ستكتشف أحيانا أنه يعرف أكثر منك ...فما زال يعرف الطرق المستقيمة وما زال يحمل من البراءة ما فقدته أنت على مر السنين ...ربما لو تحدثت معه لاكتشفت انك من تحتاج اليه...تحتاج لان ترى نفسك فى مرآته لتعرف ما وصلت اليه ...كيف غيرتك الأيام ...ربما بعد هذه الجلسة ستكتشف ان طفلك هو الضوء الذى تحتاجه فى عتمة الحياة

لا أعرف لماذا توقفت كثيرا عند هذا المشهد الذى وصفته بالمحورى ولكنى شعرت أن هذا ما نحتاجه من هذه النوعية من الأدب فلا أعتقد اننا سنستفيد كثيرا اذا عرفنا المرض دون أن نعرف أسبابه .. من وجهه نظرى الأدب هو طريقة لفهم البشر ودوافعهم ...هو طريقة لكى نكون أكثر خيرية وأكثر إدراكا لأخطائنا ولكن هل هناك حدودا يجب أن نقف عندها ونقول لا نرغب فى معرفة المزيد وهل من يكتب يمكن أن يكون أول ضحية لاندماجه الشديد مع أبطاله وهل يمكن أن تتراكم تلك المشاعر بداخله على مر الأيام ....هل الإبحار فى ظلمات النفس البشرية هو ابحارا آمنا أم انه ابحار به الكثير من المخاطر؟؟؟
أنا شخصيا ليس لدى إجابة ولكنى لا أستطيع أن أمنع نفسى من السؤال فما شدنى للقصة ليس فقط الموضوع ولكن براعة التعبير عن الحالة والتى تجعلك تشعر ان الغزالى ككاتب كان كالممثل البارع الذى أضاف كثيرا للنص الأصلى فأن تقرأ عن المرض وتدرسه شيء وأن تعبر عما يجول فى عقل المريض والذى ربما لا يعيه هو نفسه شيئا آخر ... شيئا أصفه بأنه الإبداع المخيف