"يا رب قد تجف قدميّ ، و تسرع خطواتي ، و رغم الأرض الصلبة من تحتي ، إلا أنني أعلم أنها ما هي إلا جزيرة وسط البحار المتلاطمة ، و أن اليم ينتظرني ، و ألا مهرب لي منك سواك"
المهندس أحمد كمال- مدونة رحايا العمر
كان يومها عاديا لا شىء فيه غريب
السنة الدراسية قاربت على الانتهاء
رسالة الدكتوراة طُبعت
المناقشة بعد اسبوعين
فى الحافلة نسيت دعاء السفر
كانت منشغلة بمراقبة الطريق برغم أنها كانت تجلس بعيدا عن النافذة
صوت انفجار
"ياساتر يا رب"
لحظات غابت فيها عن العالم وأفاقت لتجد نفسها على الأسفلت.. كان ساخنا
..الدماء كانت على وجهها وآلام رهيبة تمنعها من الحركة...قطع زجاج متناثرة
لم تصرخ فلقد كانت المفاجأة شديدة والألم يحبس صوتها فلا يصدر منها إلا آنات
ينزل الزملاء من الحافلة
لم يصب أحد إلا هى
اخترقت زجاج النافذة لتستقر على الأرض
كيف حدث هذا لا أحد يعرف
أصوات حولها وتليفونات
وبعد قليل صوت سيارة الإسعاف
ذهبوا بها كانت السيارة مسرعة وكانت خائفة فقد تركها الجميع وأكملوا طريقهم برغم انها قالت لهم لا تتركونى وحدى ولكن كُل كانت لديه أعمال
زملاء العمل تركوها وليسوا أغراب
فى استقبال المستشفى وجه تعرفه
زميل فى نفس الدفعة
أرجوك مش قادرة أتحمل الألم
ادينى حاجة أنام
استنى لما نعرف الحالة انت عارفة
معلش أرجوك
لحظات والدواء يسرى فى عروقها فتغيب عن العالم
مشاهد متفرقة حجرة الأشعة
وحجرة العمليات
أصوات ونقاش
كسور وعملية
أفاقت على آلام رهيبة وحجرة بيضاء
وأمها تبكى بشدة
صرخات الألم تعلو
مسكنات قوية
ماذا حدث ؟؟
تتذكر
أيام تمضى والألم لا يطاق
مضاعفات
مياه على الرئة
يصبح التنفس صعبا
زميل أخر
وابرة كبيرة تدخل الى الغشاء البلورى لتسحب السؤائل
الأم تفقد وعيها من هول المشهد
تمر أيام الألم
تبقى حبيسة الفراش لمدة شهرين
تعرف معنى النعم
أن تمشى
أن تستطيع أن تفعل كل شىء بنفسك
ولنفسك..أمور الحياة العادية أصبحت شاقة
ولكن ياللعجب
كانت أكثر أيام حياتها سعادة
شعور غريب بالرضا
شعور بنعمة الحياة
شكر لله
الحجرة لا تخلوا من الزوار
زملاء وطلبة وأخرين لا تعرفهم
كتب اذكار وادعية
دعواتهم
أحاديثهم ..تشجيعهم
مرحهم
انت ازاى وقعتى كده ..زى الكرتون بالضبط
تفكير ايجابى ومذاكرة ولم لا
الوقت طويل
أشرطة للشيخ عمر بن الكافى وعمرو خالد
الحياة من هذه الحجرة البيضاء كانت تبدو حلوة
غريبة
شعور يغمرها هدوء..رضا وسلام
يقولون ربما تمشى بصعوبة
بعد أربعة أشهر يراها زميل
ويتعجب كيف لم تصب بأى مضاعفات
كأن شيئا لم يكن ..حركتها طبيعية
يتعجب هو أما هى فتحمد الله
قالوا ستصاب بالعرج
تمشى الآن وتجرى
وكأنهم برغم علمهم لا يضعون فى الحسبان
انه هو فقط الشافى
" واذا مرضت فهو يشفين"
---------------------------
ذكرتها بما ظنت انها نسيته
التفاصيل كثيرة
كانت وعكة
الحمد لله
-----------------------
أحيانا يكون الابتلاء هو عين النعمة
لانه يذكرك بالمعنى الحقيقى للحياة
قد تنتهى فى لحظة
"فاملء عينك من أحبابك واشعرهم بقيمتهم لديك فى كل يوم"
معنى اتذكره ولا اذكر الكلمات تحديدا
-------------------------
هذا البوست كان تعليقا لى على تدوينة "وعكة" فى رحايا العمر
تعلمت من تجربة المرض ما لم اتعلمه فى عمرى كله
خرجت من بيتى فى الصباح وأنا أظن اننى سأعود اليه فى نهاية اليوم ..فعدت اليه بعد شهرين كاملين قضيتهم ملازمة للفراش فى المستشفى " ولا تدري نفس ماذا تكسب غدا " . و
كان فى الحافلة أخرين ولم يصب أحد باصابات بالغة والحمد لله وعادوا جميعا لبيوتهم فأيقنت "أن ما أصابك لم يكن ليخطأك" واننا فى هذه الحياة لا نستطيع أن نرد أقدار الله
غمرنى شعور بالرضا وكان نعمة كبيرة بل ادعى اننى كنت سعيدة برغم هذا الابتلاء فأدركت أن السعادة شىء ينبع من داخلنا ولا علاقة له بما حولنا وأنه نعمة أخرى من الله " وأنه هو أضحك وأبكى" ولكننا نشكو دائما وننسى ما نحن فيه حتى يأتى حادث ليذكرنا
ملابسات الحادث كانت غريبة ولكن الله كان لطيفا بى ..من رأى الحادث تعجب كيف نجوت ولكن رحمة الله واسعة
فى سيارة الاسعاف كنت وحدى خائفة ولا أعرف لماذا أدركت أننا كما جئنا لهذا العالم فرادى سنغادره فرادى حتما ولن يصحبنا الا عملنا و ادركت قسوة الموقف "وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً "- مريم آية 95
- ما زلت أخشى نفس الطريق الذى أصبت فيه و لا أعتقد ان عندى من الشجاعة ما سيجعلنى أقود سيارة فى يوم من الأيام
فى هذه الأزمات يلتف الناس حولك ولكن من يبقى حولك طوال الوقت هم أهلك ووقتها عرفت أنهم لا بد أن يكونوا رقم واحد فى حياتى
فى بلادنا حياة الانسان بلا ثمن ..سيارة الاسعاف لم تتأخر ولكنها كانت سيارة بسائق ومسعف وكل ما فعلوه هو نقلى الى المستشفى ولا أدرى ماذا لو انى كنت مصابة بكسور فى عمودى الفقرى أو نزيف داخلى شديد..زميلى قال لى اننى وصلت فى حالة صدمة من الالم ..سيارة الاسعاف يجب أن يكون فيها طبيب على أعلى مستوى ..بل يجب أن يتم تدريبة فى ارقى مراكز الطوارىء حتى وان كانت خارج مصر ويتساوى فى ذلك سيارات الاسعاف فى الصعيد أو فى وسط القاهرة فالفقير له حياة لا تقل أهمية عن الغنى القادر بل لعله أفضل منه عند الله ونحن كما قال رسول الله نُرزق بفقرائنا وضعفائنا
الدروس كثيرة ولكننى أخشى أن أطيل عليكم..أتمنى أن يمتعكم الله بالصحة
الحمد لله...الحمد لله ...الحمد لله