لحظة انكسار

سألونى أين أسكن؟
قلت فى اصطبل عنتر
ضحكوا وقالوا أهذا مكان يسكنه البشر؟
قلت نعم ولكننا لا نعيش كالبشر
لا تصلنا المياه بل نشتريها ثم نجلس لنفكر ماذا نفعل؟
نشربها...نطهو بها أم ننظف الأجساد؟؟
ويكون القرار لا لنظافة الأجساد
كانت أمى و أنا صغير تأتى بقطعة من القماش مبللة لتنظف عنى الأقذار
وكبرت وأنا أعيش هناك
أسكن احدى الحجرات وأعمل من الصباح للمساء
نشترك مع الجيران فى دورة للمياه
ونجمع القمامة ثم نحرقها ليتصاعد منها الدخان
فنتنفسه رغما عنا
يقولون عنا مناطق عشوائية وأننا أفسدنا النظام
وكأننا نملك قصرا وتركناه
وكأنه كان عندنا خيار
--------------------------------------------
مات أبى منذ أعوام
وعدت اليوم لأجد أمى مريضة
وكان لا بد أن يأتى الطبيب
وبعد الكشف قال انه سرطان ولا بد من الدواء
كان ثمن الدواء بضع مئات
درت فى الحجرة لعلى أجد شيئا يباع
وكنت أعرف أننا لا نملك شيئا يساوى بضع مئات
وجلست أفكر وكان القرار لابد من البيع
وذهبت للسمسار
قلت سأبيع فقال و نِعم القرار
وأخذنى للجزار أو من يسمونه الجراح
ليشترى منى ويبيع
وقال سندفع بضع آلاف
وأسلمنى للنوم وأخذ الكلية
لتذهب لأحد الأغنياء
وأفقت لأجد بجوارى المال وعانيت الآلام
ولكن قلت من أجل أمى تهون الآلام
---------------------------------------------
عدت إليها فقالت جارتنا لماذا تأخرت يا بنى؟
يبدو أنك أمك تفارق الحياة
ذهبت إليها وقلت يا أمى تمسكى بالحياة
لقد أتيت بالدواء
قالت يا بنى هل صدقت الطبيب ؟؟
هل صدقت أن ما قتلنى هو السرطان؟؟
هل صدقت ان مرضى ينفع فيه الدواء؟؟
يا بنى ما قتلنى كان لحظة انكسار
اسمع القصة
اعتدنا أنا وأبوك أن ندخر بضع جنيهات قبل العيد
لنشترى قطعة من اللحم حتى لا تشعر بالحرمان
ولكن فى ذلك العام مرض أبوك فى ليلة العيد
فذهبت الجنيهات للدواء
وعدنا الى الحجرة ونظرت إلى أبيك
كان يعانى آلام وفى عينيه حيرة وقلة حيلة
و ظللت بجانبه حتى غلبه النعاس
ونظرت إليك وقلت ماذا أفعل للصغير؟
كيف سأطعمه فى يوم العيد؟
وكان القرار
بعد صلاة العيد
ذهبت إلى هناك إلى رجل من المحسنين
ووقفت فى طابور طويل حتى أحصل على قطعة لحم
ولكن يا بنى تلك اللحظات كانت كدهر
شعرت وقتها بمعنى الذلة والمهانة والانكسار
وعدت الى البيت وطهوت اللحم ورأيت فى عينيك الفرح
ولكن ألم اللحظة لم يفارقنى أبدا
كنت أشعر به فى كل يوم
فما أن أضع رأسى على الوسادة حتى يهاجمنى
فادعو ربى أن أستطيع أن أقاوم من أجل أن تعيش
ولكن لم أعد يا بنى أستطيع
لم أعد أستطيع أن أتمسك بالحياة
وأعيش لأحلم بصنبور المياه
وبيت ولو من حجرة تكون لنا فيه دورة للمياه
وأن أغتسل يوما تحت دفقات المياه
وهل هذا كثير وأنا أعيش فى بلد النيل؟
----------------------------------------------
أظننى يا بنى أدركت أننى سأعيش وأموت فقيرة
ولكن تذكر دائما اننى وأبوك كنا من الشرفاء
يا بنى إذا ما مت فستجد تحت وسادتى مالا
ادخرته حتى أموت كريمة
حتى أطمئن أن كفنى كان من كدى وعرقى
إذا ما فاضت روحى يا بنى فادعو لى
أن يرزقنى ربى جنات تجرى من تحتها الأنهار
وارحل يا بنى
لتعمل وعش شريفا ولكن لا تأتى بأولادك إلى هنا
وإذا ما تجمع لديك المال فتذكر من يعيشون هنا
ابنى لهم بيتا تدخله المياه
ولا تنتظر من يقولون عنا نعيش فى عشوائية
واننا قد أفسدنا النظام
فقد أخذوا القرار
لا حياة للفقراء
يا بنى أقرأ على الشهادة ودعنى أمضى
وقل رب ارحم أمى
فلقد كانت فقيرة راضية صابرة
عاشت عزيزة وقتلتها لحظة انكسار

-------------------------------------------------

هذه الكلمات تلح على منذ اليوم الذى نظمته الأخت قوس قزح ..يوم بؤجة الخير من أجل أهالى منطقة اصطبل عنتر وهى منطقة محرومة من الخدمات الأساسية لا مياه...لا صرف صحى ..تشترك الأسر فى دورات المياة ويعانى الأهالى من السرطان والفشل الكلوى ومن بين ألف أسرة تسكن المنطقة قام أربعين شاب ببيع كليتهم ومنهم هذا الشاب الذى باع كليته من أجل أن يعالج أمه ولكنها ماتت قبل أن يصلها الدواء
ما زالت مشاهد الفيلم التسجيلى الذى يسجل أحوال أهالى المنطقة يطاردنى ويلح على أن أتحدث عنهم فهذا أقل القليل
أرجو من كل من قرأ البوست وشعر برغبته فى مساعدة أهالى المنطقة الاتصال بالمهندس أحمد كمال صاحب مدونة رحايا العمر أو الأخت صاحبة مدونة قوس قزح
وهى فرصة لأشكرهم على ما فعلوه ويفعلونه من أجل هذه الأسر فهم وكل من يعمل من أجل هؤلاء الناس خير دليل على أن الدنيا ما زالت بخير
كنت قد قررت أخذ أجازة فى رمضان ولكن هذا الموضوع أبى على أن أرتاح حتى أكتبه وأسأل الله أن يكون وسيلة للمساعدة وأن يجعله شاهدا لنا لا علينا