
أحمد
ما زلت أحاول التعامل مع حقيقة وجودك فانت الحلم الذى صار واقعا . يا بنى لقد أضاف وجودك إلى حياتى حياة. أصبحت أنت الصديق الذى أفتح له قلبى وعقلى ..ربما لأننى أريد أن أجنبك عثرات الطريق ولكن هل يتعلم الانسان بالكلمات أم أن ألم التجربة وفى أحيان قليلة فرحها هى معلمه الحقيقى.
لا أدرى كيف أتحدث إليك وأنت بعد مولود جديد ...مولود ..كلمة لم أتأملها من قبل، أنت القادم الجديد إلى هذا العالم لم تذنب بعد ، تحمل قلبا لا يعرف إلا الحب الفطرى النقى، تبكى لساعات فأنتظر أن تهدأ حتى أستطيع أن أركز على بعض الأعمال، وعندما تهدأ أترك العمل وأتسلل إلى فراشك ، أقف بجانبه لأتأملك ..أرى على وجهك الصغير ابتسامة، ربما يكون حلما سعيدا.
**********************
اليوم هو يوم الجمعة، أستعد للذهاب إلى الصلاة ، أرتدى ملابسى ثم بحركة لا إرادية أتحسس كتفى فأشعر بالألم ...آه يا بنى ..انه ألم الذكرى ولا أعرف لماذا تعاودنى تلك الذكرى بعد كل هذه السنوات
كنت قد اقتربت من عامى الثامن وكانت أمى حريصة على أن نذهب إلى صلاة الجمعة . كانت تحول اليوم إلى عيد حقيقي فلا بد أن تأتى لى بالحلوى فى طريق عودتنا وفى أحيان قليلة قد تشترى لى لعبة اذا توفر المال فأصبحت أحب اليوم وانتظر أن يأتى بفارغ الصبر.
فى هذا اليوم قالت لى
-عمر انت خلاص كبرت ولازم تصلى فى الجامع مع الرجالة، ايه رأيك؟
- بجد يا ماما ..
- طبعا بجد
وارتديت ملابسى وأخرجت أمى من خزانتها زجاجة من العطر
- دى كانت بتاعة بابا عنتها علشان لما تكبر
وحاولت أن تخفى دموعها فلم تستطيع أما أنا فقد كنت أشعر انى أطير، أسابق الطريق لأصل إلى المسجد فاليوم سأصلى مع الرجال
******************
وصلنا إلى المسجد وودعتنى أمى على الباب وهى توصينى بأن انتبه إلى ما سيقوله الإمام. لمحت مكانا شاغرا فى الصفوف الأولى وما ان وصلت الى هناك ووقفت فى الصف حتى دفعتنى يد قوية دفعة شديدة فتراجعت عدة خطوات حتى كدت أن أسقط من شدة الدفعة
- انت يا واد انت امشى صلى ورا ، ده مش مكان للعيال
ونظرت إلى من يصرخ فى وجهى فوجدته رجلا ضخما عابس الوجه ينظر إلى نظرة مخيفة ما زلت أتذكرها إلى الآن
وتألمت ألما شديدا ولم أستطع أن أصرخ أو أسأله لماذا ؟؟ وذهبت إلى أخر المسجد لأقف فى الصف الأخير
ولا أعرف كيف حبست دموعى وشعرت لأول مرة بمرارة اليتم، شعرت انى وحيد فى هذا العالم بلا سند ولا معين
انتهت الصلاة وخرجت من المسجد لأعود مع أمى وهى تلح على بالسؤال
- مالك يا عمر؟؟؟ايه اللى حصل؟؟؟
- ما انت كنت مبسوط...فلا أجيب الا بكلمتين ما فيش يا ماما
كنت رغم صغر سنى أشعر بالمسؤولية تجاه أمى فلا أحملها فوق طاقتها ولا أذكر أبى أمامها فكلما عاودتها الذكرى أجهشت بالبكاء
********************
وصلنا للمنزل واستأذنتها لأصعد لسطح المنزل لأراقب الحمام وفى الحقيقة كنت أبحث عن ركن بعيد لأبكى فيه دون أن يرانى أحد أو يسألنى عن سبب البكاء
وجلست فى ركن ظليل وأطلقت لدموعى العنان والأسئلة تتوالى على رأسى بلا إجابات
فلماذا رحل أبى وتركنا؟
هل كنت ولدا سيئا؟
هل أحبنى كما تقول أمى ؟؟؟
ولماذا لا يأتى الينا الأقارب إلا فى الأعياد؟؟
لماذا لا يأتى بى عمى أو خالى إلى الصلاة؟؟
لماذا لا يكون عمى مثل أبى وأكون أنا مثل أولاده؟؟؟
أحيانا أشتاق إلى أن يحتضننى أحدهم أو يربت على كتفى ليشجعنى وأظل أحلم باللحظة التى لا تأتى أبدااااا.....لماذا يظنون أن كل ما أحتاج إليه هو المال؟؟
ولماذا تردد دائما أمى اننا غلابة ملناش حد الا ربنا؟؟
لقد علمتنى يد الرجل انه ليس فى العالم مكانا للضعفاء
وأنه لا يجب أن أعتمد على أحد لحمايتى
يجب أن أكون قويا حتى أجد لى مكانا بينهم
اليتم هو نقطة ضعفى و نقصى الذى يجب ان اقضى بقية حياتى معه
ولكنى لن اظهر لهم هذا الضعف ولن أعيش فى مذلة وانكسار
هكذا كنت أفكر فقد كنت طفلا تلقى ضربة قاسية دون أن يفهم لماذا
لقد كانت دفعته لى لحظة فارقة
أصبحت بعد ذلك أذهب إلى صلاة الجمعة متثاقلا وأجلس فى ركن بعيد لا أتحدث إلى أحد ولا يبدو أن أحدا اهتم أن يعرف من أنا
وكنت أحاول أن أجد الأعذار كى لا أذهب ولكن أمى كانت تقول أنها وصية أبى أن تجعلنى أعتاد الصلاة
وكنت لا أريد أن أحزنها فأذهب فى النهاية ويمر الوقت بطيئا وما ان تنتهى الصلاة حتى اسارع فى الخروج
هكذا يابنى علمونى
وهذا ما لا أريده لك
كيف؟؟؟
ما زلت أبحث عن الجواب
أبوك الذى يحبك
إلى لقاء قريب يا صديقى الصغير
ان شاء الله
***********************
اذا كنت لم تكفل يتيما من قبل فربما قد آن الآوان
الكفالة لا تكون فقط بالمال
اذا لم تكن تملك المال فربما تملك ما هو أهم
قلبا حانيا يستطيع أن يكفل طفلا بالحب والرعاية والإهتمام
اذهب لأقرب دار للأيتام وستجد الكثير لتفعله
وعندها تأكد ان حياتك ستتغير وليس فقط حياة اليتيم
وجزائك عند الله أن تكون فى الجنة رفيقا لرسول الله صلى الله عليه وسلم
أعظم يتيم .. من علمنا معنى الرفق والرحمة
صلى الله عليه وسلم